يوميات مواطنة/ انثى- (هني مري)*


ايفان الدراجي

عيادة الطبيب هي من اكثر الاماكن التي يمكنك فيها الاستماع الى مشاكل الناس وهمومهم خاصة من ذوي الطبقة المتوسطة ودونها، لا اعلم لماذا هم فقط من يمرضون دونا عن كل شرائح المجتمع حيث اصادفهم كلما ذهبت!
جلس رجل بالعقد الرابع من العمر –او هذا ما بدا عليه- يطلب من الطبيب ان يكتب له توصية لغرض عمل تأمين صحيّ يرفعه طلبا للمؤوسسة الحكومية التي افنى عمره عاملا فيها، الرجل مصاب بتضخم الغدة الدرقية البارز جدا على عنقه، يعاني ايضا من انزلاق حاد لفقرات ظهره اذ بيّنت الاشعة المقطعية التي اخذها في احد المستشفيات الحكومية بعد انتظار ساعات طويلة، بينّت خروج (انزلاق) هذه الفقرة من مكانها كلما احنى ظهره. تعليمات الطبيب تنص على الراحة وعدم رفع الاثقال واجراء عملية جراحية. تجهّم وجهه الرجل مبيّنا للطبيب انه اذا ترك عمله يوما واحد فهذا يعني ان اطفاله لن يأكلوا بهذا اليوم! يعاني الرجل ايضا من اضطراب في ضغط دمه بسبب المشاكل في غدته الدرقية، اذ انه توقف عن اخذ الدواء الخاص بها بسبب ثمنه المرتفع.
هذا وقد صرف محافظ البصرة المعروف بحسن ضيافته وكرمه مبلغا يزيد عن ربع المليار دينار عراقي على خمس وجبات طعام (غداء) عن المجلس الاسلامي الاعلى لدة ثلاث اشهر فقط! تتوزع بين ضيافتة للوفود وموظفي مكتب المحافظ.
ربع مليار دينار عراقي يعني تقريبا (مئتين واثنين وسبعين مليون وتسع مائة وسبعة وخمسون الف دينار عراقي). يبدو ان المحافظ ووفوده وموظفي مكتبه يتغذون على نوع معين من الاغذية تزودها بهم مطاعم البصرة الاعتيادية حيث كلفتهم هذا المقدار، يبدو ايضا انه انهى جميع مهامه تجاه المحافظة ونفذ كل المشاريع المطلوبة ووفر جميع الخدمات الصحية والتربوية والامنية وخدمات الطاقة والمواصلات وحفظ النظام وصولا الى مساعدة الفقراء والمحتاجين والعوائل النازحة ايضا.. نعم! ثم انصرف يغدق على ضيوفه كرما من خزينة الشعب ودمه وعرقه.
ولعل هذا يبدو جليا في معاناتنا المستمرة بسبب انقطاع التيار الكهربائي خاصة اوقات الذروة في فصلي الصيف والشتاء، في الارصفة والشوارع المحفورة والتي يعاد حفرها باستمرار حتى بعد الانتهاء من العمل بها، في مستشفياتنا القديمة المحدودة العدد والتي لا تكاد تغطي حاجة المجتمع البصري خاصة اوقات الطواريء والحوادث بظل ازدهار تدهور الوضع الامني بازدياد منذ الـ2003، مستشفياتنا التي تنقصها المعدات الحديثة والكوادر المدربة المتمكنة، ايضا وبسبب ازدهار تدهور الوضع الامني فان افضل ما نملك من كوادر قد اغتيلت او هربت خارج البلد. ناهيك عن انتشار الادوية الفاسدة او الممنوع تداولها دوليا منذ سنين طويلة بسبب اثارها الجانبية السيئة وانعدام فعاليتها كعلاج لكنها وبفضل وزارة الصحة وصفقاتهم المشبوهة مع بعض الشركات المصنعة وجدت لها سوقا رائجا في العراق. هل سمعتم بعودة امراض تكاد تكون منقرضة في العالم منذ زمن للعراق مثل الكوليرا؟ هل سمعتم بتلوث الادوية ومحاليل التغذية بامراض وجراثيم خطيرة كالسيدا؟ هل لاحظتم ازدياد حالات شلل الاطفال والتشوهات الخلقية بين الولادات الجديدة؟
المدارس ايضا وباقي المؤوسسات التربوية والتعليمية قد ازدهر فيها الجهل والفساد هي الاخرى على عكس وظيفتها المعروفة، اذ اصبح المدرس في المدرسة الحكومية يدفع بالطالب بشتى الوسائل للتسجيل في مدرسة خاصة يدرس فيها حيث يتقاضى اجرا اعلى هناك. المدارس التي تفتقر لابسط الخدمات كالماء والحمامات النظيفة او مقاعد الطلاب ومروحة سقفية بسيطة تخفف عن الطلبة حر الصيف. ناهيك عن تراجع النشاط الزراعي وعدم مساعدة المزارعين في الحصول على معدات متطورة او باقي المتطلبات كالاسمدة والبذور والمبيدات الحشرية.. هل لاحظتم كثرة زيارة الحشرات الغريبة كالجراد مؤخرا للعراق؟ هل لاحظتم كثرة العواصف الرملية والترابية في السنوات الاخيرة بسبب التصحر؟ ما اسعدنا!
هل يخفى عنكم تصدر العراق بقائمة الدول الاكثر فسادا في العالم؟ لا يمكنك ان تصدر ابسط واسخف وثيقة حكومية ان لم يكن لديك معارف كالضابط الفلاني وعضو المجلس الفلاني الذي (يساعدك) في رشوة الموظف المختص لاصدار الوثيقة المطلوبة. اما امنيا... حدث ولا حرج، ربما لا ابالغ ان قلت انه في كل اسبوع يجب ان تنشب مشاجرة بين العشائر تنتهي باطلاقات نارية واصابات وحرق منازل بعضهم البعض وتفجيرها بالقنابل، حسنا اليست هذه وظيفة العشائر التورط في شجارات وابراز عضلاتهم من حيث عدد الافراد ومدى شراستهم وتزودهم بالسلاح؟ السلاح الذي اصبح بفضل ضبط الوضع الامني متاحا للصغير قبل الكبير، حيث ساعد على تحول اي فرد الى مجرم بضغطة زناد. الوضع الامني الذي يجعلك تودع اهلك وذويك كلما خرجت من منزلك صباحا للعمل او الدراسة او حيثما كان خوفا من ان تتحول الى باربكيو بسبب التفجيرات، او ان تخطف او تتعرض للاغتيال. الوضع الامني الذي سمح لهذه الدولة وتلك في التعدي على اراضينا ومياهنا ومضايقتنا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. والطامة الكبرى هي تحول العراق الى بؤرة نشطة في نشوء وتنمية الخلايا الارهابية التي اثبتت جدارتها وخطورتها في السيطرة على مدن كاملة في العراق (والحبل ع الجرار).
الكلام لن ينتهي في الثناء على جهود محافظ البصرة وحكومة (علي بابا) ابدا، تتذكرون كيف زعلتم من نانسي عجرم حين نعتنا بعلي بابا؟ سرها باتع الصبية صراحة وعدها علم الغيب!
هنيئا لمحافظ البصرة وحاشيته المستفادة منه كروشهم المتعفنة بقوت الشعب الذي يستحق ما يجري له لانه يعود لانتخابهم في كل مرة، هنيئا له على تعبه وجهوده المضنية والتي تختصر في السرقة والاكل ومن ثم اللطم تكفيرا عما سرق، هنيئا لنا نحن ما ذكرت اعلاه.
----------------------------------------- 
* (هني مري) باللهجة الشعبية العراقية تعني (هنيئا مريئا).


Share:

Popular Posts

Featured Post

خمسة تفسيرات منطقية علمية لما يدعى بالمعجزات

  اعداد: ايفان الدراجي الخوف والجهل هو أساس ارجاء تفسير الظواهر الطبيعة آنذاك لقوى مجهولة خفية قد تكون من السماء يفسرها المؤمنون...

Recent Posts