" ما خرجت أشراً ولا بطراً. إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي "
الإمام الحسين (عليه السلام)
كثيرا ما ارتبطت الشعائر والطقوس القبلية لدى الكثير من الأمم على مر العصور التاريخية السحيقة بمدلولات روحانية تعبّدية تطورت بمرور الوقت بسبب تغير المفاهيم المؤسسة وفقها بتغير اتجاهاتهم الدينية والفلسفية.. لكن النتيجة واحدة .
إن هذه الشعائر والممارسات ما هي إلا تعبير ذاتي جماعي أو فردي عن شعور الفرد تجاه رمزه الديني أو حتى تجاه خالقة بتجسيد مناسبة أو حادثة مقدسة لدى ممارسيها.. نتناول منها الشعائر الحسينية التي يقيمها الشيعة أوائل كل عاشوراء (محرم) بذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليهم السلام) بمعركة الطفّ التي دارت في كربلاء بينه وبين معاوية بن زياد و" تعتبر واقعة الطف من أكثر المعارك جدلاً في التاريخ الإسلامي فقد كان لنتائج وتفاصيل المعركة آثار سياسيةونفسية وعقائدية لا تزال موضع جدل إلى الفترة المعاصرة، حيث تعتبر هذه المعركة أبرز حادثة من بين سلسلة من الوقائع التي كان لها دور محوري في صياغة طبيعة العلاقة بين السنةوالشيعةعبر التاريخ وأصبحت معركة كربلاء وتفاصيلها الدقيقة رمزا للشيعة ومن أهم مرتكزاتهم الثقافية وأصبح يوم 10 محرمأو يوم عاشوراء، يوم وقوع المعركة، رمزاً من قبل الشيعة (لثورة المظلوم على الظالم ويوم انتصار الدم على السيف) . " [1]
و " يعتبر الشيعة معركة كربلاء قصة تحمل معاني كثيرة (كالتضحية والحق والحرية) وكان لرموز هذه الواقعة حسب الشيعة دور في الثورة الإيرانيةوتعبئة الشعب الإيراني بروح التصدي لنظام الشاه، وخاصة في المظاهرات المليونية التي خرجت في طهرانوالمدن الإيرانية المختلفة أيام عاشوراءوالتي أجبرت الشاه السابق محمد رضا بهلويعلى الفرار من إيران، ومهدت السبيل أمام إقامة النظام الإسلامي في إيرانوكان لهذه الحادثة أيضا، بنظر الشيعة، دور في المقاومة الإسلامية في وجه الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. "[2] وفقاً لـقضية النبطية في لبنان قبل تقريبا 19 عاماً وكيف هرب الإسرائيليون من المسيرة التي تطبر هناك - عُدّت من فوائد التطبير - .
إن أول من جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعة كربلاء بصفة رسمية هو معز الدولة البويهي [3] حيث : جرت في العاشر من محرم عام (963م = 352هـ) ولأول مرة في التاريخ احتفالات رسمية وفريدة في يوم عاشوراء حيث أغلقت الأسواق وسارت النادبات في شوارع بغداد وقد سودن وجوههن وحللن شعورهن ومزقن ثيابهن وهن يلطمن وجوههن ويرددن مرثية حزينة .[4] إذن وحسب هذا المصدر فأن أصل هذه العادات بدأ بالعراق بينما يشير مصدر آخر – أكثر وثوقاً – بأن "تمثيل موقعة كربلاء؛ لم يبدأ إلا في القرن السادس عشر في إيران الصفوية. وينسب التراث الشعبي الفارسي إلى الشاه "إسماعيل الصفوي" استخدام هذا التمثيل لنشر المذهب الشيعي في فارس، ثم شجّع الشاه "عباس الصفوي" (توفي عام 1629) هذا التقليد. " [5]
اختلف الكثيرون حول أصل هذه المظاهر الشعائرية والممارسات المثيرة للجدل والتي تزدادا غرابة وانتشارا يوما بعد يوم خصوصا بعد سقوط النظام العراقي البعثي سنة 2003 وتغلغل الأنظمة الجاسوسية الإيرانية الفاسدة بمؤسسات الدولة والحكم.. فهي تستغل روحانية الشعب العراقي وتعطشهم لهذه الممارسات التي حرموا منها على مرّ سنوات حكم النظام السابق فقد تففنت بها حد الغرابة والبذخ ولم تكتف بغسل عقول الكبار والشباب منهم بالأخص بل وتقوم بترويض وتهيئة الأطفال على مثل هذه الممارسات بالاستناد على تفسيرات واجتهادات علمائها لآيات قرآنية كـقوله تعالى " وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" سورة الحجّ: الآية32 ، و قوله تعالى " قُل لا أسأَلُكُم عليه أجرًا إلاّ المودَّةَ في القربى" سورة الشورى:الآية 23 .[6] ، وهي تعد من ضمن إستراتيجية إسلامهم السياسي الذي يهدف للسيطرة على العراق بصفته موقعا فذا لمواصلة حربها الأزلية مع الغرب وتصفيته ثاراتها ومن ناحية الاستيلاء على خيراته ومنافذه البحرية التي طالما تقاتلت عليها على الملأ وما خفي كان أعظم.. أعظم.
السؤال الذي يطرح نفسه: من قال أن هذه هي شعائر الله؟
تشير الدراسات والمصادر على إن التطبير واللطم وإيذاء الذات والذي أفسّره علمياً بأنه " وضع وعي أوّل بوعي آخر. فتأمّلوا جيّدا اللّوازم الخطيرة لمثل ذلك التّأويل، ولمثل هذه النّظريّة. فنظريّة فرويد كانت تزعم بأنّ " الذّات ليست وعيا فقط "، وإنّما هي " وعي وهُوَ "، أي، وهذا هو اللاّزم الخطير، هي وعي ووعي آخر ؛ الوعي الأوّل يكون غير واع بالوعي الآخر، مع انّه هو الأصل فيه !!؟ (وفقا لـتقسيم سيغموند فرويد الذّات إلى منطقتين اثنتين : منطقة أُولى، وهي منطقة الوعي، وهذه تشتمل على الأنا، والأنا الأعلى. ومنطقة ثانية، أي منطقة اللاّوعي، وهذه تنحلّ إلى عنصرين رئيسيّين : أوّلا، عنصر الهُوَ، وهي تشتمل على جملة الغرائز والرّغبات، ثانيا : عنصر مجموع العقد المتولّدة من اصطدام الهو بالأنا، وبِمَنْ وراءَه، أي الأنا الأعلى- عبارة عن مجموع القواعد الأخلاقيّة والقيم الإجتماعيّة والدّينيّة والثّقافيّة الّتي وظيفتها أن تضبط ضبطا موضوعيّا سلوك الإنسان الفرد، وتراقب باطنيّا نفسه وضميره. إنّه يشبه سلطة مراقبة وتوجيه. وبهذا المعنى، فالأنا الأعلى إنّما يوجد على الطّرف النّقيض من الهُوَ المندرج في منطقة اللاّوعي، وذلك لأنّ الغرائز والأهواء، لمّا كانت كلّها غير ذات شكل، ولا ماهية، وإنّما طاقة محض، فلا فِكَاكَ لها من أن تصطدم دائم الاصطدام بجازر الصّورة والشّكل، جازر المؤسّسة والحضارة، أي جازر الأنا الأعلى -) فالنّتيجة الأخيرة إِذًا لكلّ هذه النّظريّة أنّ الذّات تصير منشطرة في نفسها، وأن تتلاشى وحدة السّلوك البشريّ آخِرَ التّلاشيّ. " [7]
ولنا أيضا أن نزيد؛ بأن هذه المظاهر هي جزء من ( داء كرو ) والمقصود به إيذاء الذات بقصد معاقبتها بغية التكفير عن ذنب أو فعل ومن احد تصنيفاته أو أمثلته السلوكية هي هذه الطقوس الشعائرية المرتبطة بالأديان والتي مارستها البشرية منذ القدم فهذه العادة لم تكن غريبة على كثير من الديانات السابقة للمسيحية – التي تعتبر أول من مارسها كما سنذكر لاحقاً - مثل طقس آيزيس في مصر وديونيس في اليونان. وكذلك مارس اليهود جلد الذات بالسوط خلال الاحتفالات الدينية الكبرى، (الضرر الذاتي الذي قد تم ممارستة كطقوس عادية من قبل بعض الثقافات مثل حضارة المايا القديمة - فللتكريم الاسمي كان المايا يقدمون الضحايا البشرية من الأطفال والعبيد وأسرى الحرب. وكانت الضحية تدهن باللون الأزرق ويقتل فوق قمة الهرم في احتفالية طقوسية بضربه بالسهام حتى الموت أو بعد تقييد الساعدين والساقين بينما الكاهن يشق صدره بسكين حاد مقدس من حجر الصوان لينتزع القلب ليقدم كقربان، وكان القادة من أسرى الأعداء يقدمون كضحية بعد قتلهم بالفؤوس وسط مراسم من الطقوس وكذلك عن طريق قطع وثقب أجسادهم من أجل سحب الدم. إشارة إلى كهنة بعل (تقطيع وضرب أنفسهم حتى إسالة الدماء) يمكن العثور عليها في الكتاب المقدس العبرية بحسب اليهودية، كما و يمارس إلحاق الأذى بالنفس من قبل السادهو أو الهندوس، الكاثوليك و الكنعانية القديمة. ) [8]
كما وذكرت بان أصل ممارسي هذه الشعائر (جلد الظهر والتطبير على وجه الخصوص) من معتنقي الأديان السماوية هم المسيح (النصرانيون) تمجيدا للـ (الجمعة الحزينة أو جمعة الآلام) والتي تعتبر " يوماً مميزاً في مدينة القدس. فآلاف المصلين يصلون إلى الأرض التي صُلب فوقها المسيح، ليسيروا في أحياء المدينة القديمة على طريق الجلجلة بحسب طقوس كنسية عمرها أكثر من 6 قرون. مراحل درب الجلجلة خلّفت بصماتها على جدران القدس القديمة، فهذه المدينة يغرق زائرها في تاريخها الممزوج بالأديان ". [9]
" قبل ألفي عام، شهدت القدس عملية صلب، كان يمكن أن تكون حادثة عادية في مقاطعة رومانية بعيدة عن مركز العاصمة. لكن لأسباب كثيرة، تحولت إلى فاصل بين زمنين في تاريخ البشرية، أحدهما ما زال مستمراً حتى اليوم. طريق الجلجلة، أو درب الآلام، هو طقس ديني تتبعه كنائس في العالم كلّها، وتقسم مراحله بحسب ما كتب عنه في الكتاب المقدس. للكنائس المسيحية مركز في القدس، وكلها تحيي «طريق الجلجلة» بحسب طقوسها، فتسير بمواكب عبر الأزقة، وتبحث في الجدران وبين البيوت عن الكنائس التي شُيِّدَت لتخليد أحداث صلب المسيح.
والسير على «درب الآلام» يتخذ صفة «رياضة درب الصليب»، حيث تشهد البلدة القديمة في القدس ، بعد ظهر كل يوم جمعة من زمن الصوم، طقوساً يشارك فيها أهل المدينة وزوارها. كلهم يقتفون آثار المسيح بين بيوت القدس وأسواقها. آثار " درب الجلجلة" تحددها اليوم معالم أثرية وتاريخية. وكثيراً ما تصادف هذه الطقوس خروج المصلين من الحرم القدسي الشريف، فيختلط الجميع في شوارع القدس القديمة، في تعبير رمزي غير مقصود عن الهوية التعددية الثقافية والاجتماعية للمدينة المقدسة.
وقُسِّم درب الآلام أو الجلجلة إلى 14 مرحلة، يُعتقد أنها تمثّل ما حدث مع المسيح عندما سار فيه قبل أكثر من 2000 سنة حاملاً صليبه محفوفاً بالجنود الرومانيين، بعد الحكم عليه بالموت. وتقع 9 مراحل من درب الآلام خارج كنيسة القيامة، و5 داخل الكنيسة المفترض أنها مقامة على تلة الجلجلة التي شهدت حادثة الصلب.
وبدأت ما يطلق عليها «طقوس درب الآلام» في القرن الثاني عشر الميلادي، وطورت إلى شكلها الحالي، وتحديداً الـ14 مرحلة في القرن الخامس عشر. " [10]
" في بادئ الأمر كان جلد الذات نوعا من (التوبة) في الكنيسة المسيحية . والى جانب الجلد كانت المواكب تتضمن أناشيد دينية وحركات معينة وأزياء. أول سابقة في القرون الوسطى كانت تلك التي حدثت في بيروجيا عام 1259. وانتشرت منها إلى شمال ايطاليا ثم النمسا. وسجلت حوادث أخرى في 1296 و 1333-34 وخاصة في وقت انتشار الطاعون (الموت الأسود) عام 1349 و 1399. والسبب وراء ابتداء هذه الحركة في بيروجيا غير واضح ولكنها أعقبت انتشار الوباء وقد انتشرت مواكب الجلد مثل هوس شعبي خلال المدينة كلها . فقد خرج ألوف الناس في مواكب منشدين الأغاني الدينية وحاملين الصلبان والرايات. وبلغ الهوس إلى حد أن من لم يشترك كان يتهم بالتحالف مع الشيطان وقد قتلوا يهودا ورهبانا عارضوهم. "[11]
قبل البدء بالاستنتاج أو التوضيح والتأكيد ان هذه الممارسات وغيرها كـ (ظاهرة المشايّة) والتي يقوم فيها الشيعة بالمشي سيراً على الأقدام من أي مكان بالعراق حتى مقام الأئمة في النجف أو كربلاء في أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام).. وهي عادة مستحدثة أيضاً ابتدع فيها بعد السقوط أي بعد 2003 وكعادة العلماء قاموا بالترغيب لها ووضع الحجج وتشريعها بل وجعلوها تعادل حجة بيت الله الحرام والذي هو ركن مهم من أركان الإسلام !
فالتطبير عادة اتخذها المسلمين الشيعة لا يتعدى عمرها مئتي عام، و أن هذه الكلمة بهذا الاشتقاق والمعنى لا وجود لها في كتب اللغة العربية والظاهر أصلها فارسي، بمعنى (طَبَرْزَدْ: أي ضرب الفأس) . ومن المثير للدهشة عدً فوائد لهذه الظاهرة منها قضية النبطية التي جئت على ذكرها سابقا و الشفاء (تماماً) من الجلطة ! وقد شبهه البعض بالحجامة وكذلك " اعتدال ضغط الدم والنبض، انخفاض كمية السكري في الدم، ارتفاع عدد كريات الدم الحمر والبيض والصفائح الدموية بشكل طبيعي، اعتدال شوارد الجديد بالدم ، انخفاض كمية الشحوم الثلاثية بالدم وكذلك الكولسترول حسب اكتشافات الأبحاث الطبية " .[12]
مداخلة: هل عجز العلماء عن اكتشاف علاج للجلطة بصورة تامة بينما فعل التطبير؟ وان كان المطبر يشكو من كمية دمه الزائدة فلماذا لا يهم راكضاً للتبرع به عند حصول حالة طوارئ كانفجار أو حرب أو حادث ما؟
نستنتج من كل هذا ان مجمل هذه العادات والتقاليد مهما اختلف ممارسيها هي مجرد طقوس وشعائر لمواساة رموزهم الدينية والمحافظة على ذكر وقائع تاريخية مقدسة وزرعها بذاكرة الأجيال القادمة وهي لا تمد لعبادة الله بصلة فلم ينزل بها نصل سماوي صريح (غير التي فسروها لصالحهم) كانت تمارس سابقا من دوافع دينية أو روحية أو حتى بسبب عقدة الذنب التي ارتبطت بخذل نبي أو إمام لكنها الآن اتخذت منحى آخر فهي من جهة أداة لغسل العقول وبرمجتها وفق سياسة معينة تهدف التفريق أولا بين المِلل وكسب اكبر عدد من الموالين للجهة التي تؤيد إقامة هذه الشعائر كما وتُشغل الناس عن ممارساتهم وخططهم الحقيقية والمبطنة في الاستيلاء والهيمنة الاقتصادية والسياسية والفكرية من جهة أخرى، نحن لا نقول إننا ضد ممارسي هذه الشعائر أبداً ، لكننا نرجوهم أن لا تزيد عن حدها وان لا يجبروا الناس وخصوصا الأطفال (كما يجري من غسيل للدماغ وبرمجه عقلية خطيرة لهم بالمدارس) على اعتناقها أو تبنيها حد التمجيد وتفضيلها على عبادة الله ذاته.
استفهام: أعجب للمبالغ والجهود التي يتم صرفها لإقامة هذه المواكب أو تنفيذ هذه الشعائر وإنها لو وُظفت لخدمة الناس (كإقامة دار للعجزة أو المعاقين) أو تم التبرع بها للفقراء والمحتاجين بشكل مُنظم لكان أفضل.. وأراهن على أن لو كان مثل هذه الحملات الخيرية بحق والتي سيثيب الله عليها فاعلها ويُرضي عنهم النبي أو الإمام فهي تجسد أخلاق النبوة و الإمامة حقاً لما هبّ الناس وانتفضوا لفعلها !
ايفان الدراجي 18/12/2010
المصادر: