على غرار عبارة رئيس ليبيا المخلوع (معمر القذافي)
فإن السينما العراقية بدأت رحلة (التقدم) نحو الوراء منذ مطلع الألفية
الجديدة مشيرة لاستثنائي تجارب السينما الكردية المعاصرة التي تبعث على
التفاؤل والفخر نوعا ما على الصعيد المحلي.
دعونا
نعود حقاً إلى الوراء إذ يبدو إننا نسير وفق نهج تنازلي واضح، إن بداية
تأسيس السينما العراقية يعود لعرض أول فلم (سينما توغراف) عام 1909 بدار
الشفاء في الكرخ حيث تُعد أول دار عرض تفتح في بغداد وبعدها تعددت دور
العرض السينمائية مثل (أولمبيا، سترال سينما، السينما العراقي، السينما
الوطني). منها بدأت تنشط حركة السينما العراقية من حيث بناء دور عرض جديدة
وكذلك الاتجاه للإنتاج السينمائي والمشاركة إنتاجيا وتمثيلا بالسينما
العربية. حيث جرت عدة محاولات لإنتاج أفلام في العراق واحدها سنة 1930 حيث
سافر حافظ القاضي بطيارة إلى إنكلترا لجلب أجهزة ولوازم السينما تمهيدا
لإنتاج فيلم 1938 إلا أن هذه المحاولة قد أجهضت قبل أن يتمكن أصحابها من
تصوير اللقطات الأولى للأفلام. وكانت أول شركة إنتاج سينمائي هي (شركة
أفلام بغداد المحدودة) والتي أجيزت في عام 1942 لكنها لم توفق في إنتاج أي
فيلم.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية
بدأت صناعة الفيلم في العراق بعد إن ظل ومنذ 1909 القطاع الخاص المستورد
والموزع للأفلام. لكن لم يحالفه الحظ في دخول الإنتاج إلا في الأربعينيات.
ففي عام 1946 بوشر بإنتاج أول فيلم عراقي من قبل شركة الرشيد العراقية
المصرية وهو فيلم (ابن الشرق) الذي أخرجه (نيازي مصطفى) ومثل فيه عدد كبير
من الفنانين العرب مثل بشارة واكيم مديحه يسري. نور هان. آمال محمد. أما من
العراق فقد شارك في الفيلم عادل عبدالوهاب. حضيري أبو عزيز وعزيز علي.
وعرض فيلم (ابن الشرق) خلال أيام عيد الأضحى في أواخر 1946 وشهدت نفس السنة
إنتاج الفيلم الثاني (القاهرة بغداد) أنتجته شركتان هما (السينما الحمراء
واتحاد الفنانين المصرية). وفي عام 1946أنتج فيلم (عليا وعصام) الذي أخرجه
الفرنسي (اندريه شوتان) ومثل فيه كل من إبراهيم جلال. سليمة خضير. جعفر
السعدي. عبدالله العزاوي. يحيى فائق. فوزي محسن الأمين. وبعد نجاح فيلم
(عليا وعصام) قام منتجو ستوديو بغداد بإنتاج فيلم جديد هو (ليلى في العراق)
الذي أخرجه احمد كمال مرسي من مصر ومثل فيه المطرب محمد سلمان من لبنان
ومن العراق إبراهيم جلال، عفيفة اسكندر، عبدالله العزاوي وجعفر السعدي وقد
عرض فيلم (ليلى في العراق) في (سينما روكسي) خلال شهر كانون الأول 1949 .
إن هذه الأفلام جلبت بعض الشبان الذين اطلعوا على أسرار هذا الفن الجميل
وامتلكوا بعض المؤهلات التي تساعدهم على قيادة هذه الصناعة الجديدة. وفي
1953 أسس ياس علي الناصر (شركة دنيا الفن) واعتمدت هذه الشركة على قدرات
عراقية خالصة وكان فيلمها الأول (فتنة وحسن) الذي أخرجه حيدر العمر وجرى
عرضه في سنة 1955 .
هكذا دواليك ازداد
نشاط حركة السينما العراقية من جميع النواحي وتنوعت نتاجاته بين الأفلام
الروائية القصيرة والطويلة والأفلام التسجيلية وغيرها واختلفت توجهاتها
ومضامينها بين الاجتماعية والموضوعية والجديّة والسطحية أحيانا أخرى لكننا
نُجزم بأننا (كنا) نسير بالطريق لصحيح نحو تطور السينما ومحاولة مواكبة
حركة السينما العربية و العالمية.
عالميا
الآن اتجه المُنتجون نحو تقنية (الأنيمي- Animation) في صناعة أفلامها، إذ
تُعد آخر صرعة وتطور هام بعالم السينما ويُتوقع أن يُستعاض من خلالها عن
الممثلين و اللوكيشنات الكبيرة التي يتطلب إعدادها أدوات وإكسسوارات
ومستلزمات كثيرة ومُكلفة جدا بغية التقليل من كلفة الإنتاج بسبب أجور
الممثلين الخيالية والتكاليف الضخمة التي تصاحب إعداد لوكيشنات أعمال
وأفلام معينة .. هذا من ناحية ولأجل أن أصل للسبب الذي دفعني لكتابة هذا
المقال دعوني أذكركم ببدايات المسارح الكلاسيكية في أوربا وتحديدا في
بريطانيا كالمسرح الشكسبيري مثلا؛ حيث كان كادر الممثلين هم من الرجال فقط
الذي كانوا يلعبون ادوار الرجال والنساء معاً بسبب التقاليد والأعراف
الأوربية آنذاك في أوائل القرن السادس عشر والتي كانت تستغرب أو تنتقد
بشدّة مشاركة النساء في مجال المسرح والعروض حتى تم كسر هذا التقليد
تدريجيا وصار للمرأة الممثلة دورا هاما وفعالا في العروض المسرحية.
الآن
ونحن بالألفية الثالثة حين تود أن تختار طاقمك من المثلين أو الممثلات
فانك تلجأ لمعارفك أو تقدم عروض ودعوات لممثلين معروفين، وإن كنت تبحث عن
وجوه جديدة فانك تتجه للمواهب في المؤسسات الأكاديمية أو تكتفي بوضع إعلان
وإجراء مقابلات ، وإن كنت تبحث عن ممثلة (أنثى) فانك ستجد صفاً من الشابات
اليافعات الموهوبات يقفن بانتظار طرق ودخول عالم السينما من أوسع أبوابه
نحو الاحتراف والشهرة بدافع الموهبة وحب الفن، هذا إن كنت بدولة أخرى غير
(العراق بعد الـ 2003 ! ) كأن تكون مثلا لبنان أو مصر أو سوريا وغيرها من
الدول، هذا على الصعيد العربي أما العالمي...
تسيّيس ، تتريث واستغلال فن السينما
لستُ
بحاجة للتذكير بدور الفن كأداة صيرورية ساهمت بتغيير المجتمعات وأهميتها
وخطورتها بهذا الخصوص؛ كانت السينما العراقية منذ مطلع الثمانينات أحد
أدوات ترسيخ وزرع أيدلوجيات ومفاهيم النظام السابق في ذهن المتلقي من ناحية
ترواح موضوعاتها -على الأغلب- بين الحروب وعرض عضلات النظام البعثي
والسيرة الذاتية للقائد -الضرورة- آنذاك وغيرها من بطولاتهم ومفاخرهم لدرجة
الاحتكار حتى والقصر أحيانا كثيرة، أما في (عراق بعد الـ2003 ) لاحظنا
كثيرا وبوضوح ضمور النشاط السينمائي بسبب الكثير من الأسباب والمعوقات التي
لستُ بحاجة لذكرها إذ تعتبر عامة التأثير على جميع مجالات الحياة وخصوصا
الفنية-الثقافية والإبداعية منها، بينما نلاحظ على الكّفة الثانية من
الموضوع استغلال وتوظيف هذه المجالات أيضا لصالح الأنظمة المهيمنة حاليا
لترسيخ ونشر أيدلوجياتها ومفاهيمها في المجتمع مع (تحريمها ورفضها) بذات
الوقت وعلى نفس الكفّة على الآخرين !! ناهيك عن شبه انعدام وجود صالات عرض
سينمائي للأفلام الغير منتجة محليّا وليس فقط قلة وفقر الإنتاج السينمائي
ومحاولة تسلقه جبل العقبات أو عبوره الحقول المُلغمّة نحو الطريق الصحيح
الذي سبق وان سار به وتقدم منذ بدايات القرن العشرين! رغم محاولات إنشاء
وبناء دور عرض سينمائية من قبل مهتمين عراقيين أو غير عراقيين إلا إنها
تصطدم وتُجابه باعتراض (المسئولين الدينيين) وفي عبارة شهيرة لأحدهم يقول
فيها: " أنا ارفض افتتاح أي دار عرض للسينما حتى لو عرضت كل يوم وعلى مدار
الساعة فيلم الرسالة" !!
لّب الموضوع
يمكن اختصاره هو أن أحد أهم العقبات التي لا يمكننا تجاوزها رغم تخطينا
الكثير الكثير منها كالافتقار لدور العرض والدعم المادي والإداري والفني
لصناعة السينما؛ أهم العقبات هي صعوبة إيجاد (ممثلة) لأفلامنا !