حاورها في البصرة: عبد الكريم العامري
ايفان: لا مجال لنهضة أي امة اذا ما كانت كونكريتية العقل ومُحاطة باسلاك شائكة
حين تلتقي بفنانة تشكيلية وشاعرة تحمل في قلبها الحب لكل الناس وفي راسها تصورات أكبر من ان يستوعبها زمن مهما امتدت اطرافه، حين تلتقيها تشعر أنك امام كائن يريد ان يحلق عالياً بعيداً عن كل رقيب يمكن أن يوقف عجلة ابداعه، هذه هي ايفان الدراجي التي عرفتها مترجمة اولاً ومن ثم حضرت لها معارض تشكيلية وفي أخرى قرأت لها ونشرت نصوصاً شعرية جميلة، الجميل فيها أنها تطرح آراءها وافكارها بجرأة قد يعجز عن الاتيان بها غيرها وربما هذا سبب لها بعض المعاناة والضغوط النفسية التي اجتازتها بقوة.. اليوم هي ضيفتنا في مجلة البوابة العراقية تقول عن نفسها:
“ليس لي أن أُعرّف عن نفسي أكثر من أن أقول إني إنسانة تحلم وتسعى لتحقيق عالم أفضل عن طريق نشر ثقافة الحب والإنسانية والتسامح تحت مظلة الحرية الحقيقية التي تضمن كرامة الإنسان واستخدامه عقله بصورة صحيحة ونبذ العنف وما إليه من ممارسات شبيهة، موظفة في سبيل ذلك حواسي الإضافية؛ الرسم والكتابة”.
- إلى أي درجة تؤمنين بتحقيق الأحلام؟
الإنسان الذي لا يحلم سائرٌ ميت. من له الحق أن يحاسبنا على أحلامنا؟ هناك فرق بين حالم يسعى لتحقيق حلمه وبين حالم يهرب به من واقعه ، أؤمن إنني اختلف عن الكثير من البقية لكوني استخدم عقلي ولدي طاقات يمكنني توظيفها بخدمة الآخرين ومساعدتهم في سبيل الخير والحق، لست أنانية أبدا ولن أكون ،عندي قضية. أؤمن أن (الفن هو ما يحّل المشانق) كما كتبت بأحد مقالاتي وإلا لما تخوفوا منه وتمت محاربته على الدوام، واقصد هنا بالفن: أي مُنجز إبداعي خلّاق بأي مجال يحتمل الابتكار، لان الفن من الأدوات الحساسة والخطيرة التي تؤثر على الإنسان وتُرسخ رسائله بعقله الباطن دون ان يعي ذلك من خلال مدخلاته الحسية التي تجتذب له فتكون ردوده مبنية على تلك المعطيات التي اكتسبها من رسائل الفن وعليه تتشكل شخصيته، ولان الفن وأدواته جزء من مؤثرات المجتمع المحيطة بالإنسان، أي أحد أدوات منظومة الـ (الأنا العليا) وكي اكونا كثر تحديدا المكتسب منها، والتي تتشكل وفقها الشخصية .
- كيف تنظري الى واقع الفن النسوي العراقي بعد تغيير عام 2003 ؟
انطلاقاً من مبدأ أن الفن يعكس الواقع ويصرخ عنه: سأجيبك بسؤال: كيف تنظر لواقع المرأة بعد عراق 2003؟
- هل الحرية التي تحققت بعد سقوط نظام ديكتاتوري أتاحت للفنان التعبير عن كل ما كان يحلم به ام ان هناك رقيباً اخراً بدأ بالظهور بعد السقوط؟
كل ما حصل هو تبديل أقمشة الكراسي من زيتوني لأسود. إن الديكتاتورية او الديمقراطية وغيرها من المصطلحات السياسية التي ومن المفروض ان تعبر عن نظام تقوم عليه الدول والحكومات هي بالنسبة لنا مجرد مسميات وكلايش حفظها من يثرثر على مسامع الناس الذين للأسف يصدقونه بسبب قلة او انعدام ثقافتهم بشان ابسط الاشياء، لا بل بكل شيء. النظام الديمقراطي هو تأسيس فكر بالأساس وتنظيم معيشة وسلوك افراد يرتقي لسلوك مجتمعات قبل ان يكون نظام حكم. ان مجتمع كالمجتمع العراقي يتميز بـ: (تعوده على التهليل والتصفيق لهذا وذاك، ترسخ النظم والمفاهيم العشائرية الجاهلة بسلطة الفرد الواحد وربوبيته، الاتكال وتسليم كامل الأمر فيما يتعلق بقرارات الحياة وعيشها للمراجع وإتباعهم بصورة عمياء فهم يمتثلون لكل من يضع عمامة او يحمل مسبحة او صليب، ما زال ينظر للمرأة بعين البورنو ويعتبرها مُلكية، تفضيل المصلحة الفردية على المصلحة العامة، مجتمع ينطبق عليه مثل “الإمام الي ميشّور محد يزوره” بالحرف الواحد، تفكيره سلبي ولا يحترم النظام والقانون، يتكل على البكائيات والاستكانة ومساعدات الدول الأخرى، النفاق ثم النفاق) من الهزلية الهستيرية أن يتم تغيير نظامه وتطبيق أسس الديمقراطية فيه كنظام دولة لا يعمل به حتى من يدعي تأسيسه !
اود توضيح نقطة؛ ان الالتزام بعقيدة او فكر ما يجب ان لا يكون مبينا على التبعية المطلقة والتعبئة المُسبقة و (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) بل يجب ان يكون مبنيا على دراية ومعرفة على ما هو مقدم عليه ، ان من القداسة والوعي الإحاطة بما نلتزم ونؤمن وندافع عليه لان الإنسان وما تحيطه من حياة بأكملها قيمة متغيرة وليست ثابتة أبدا . نعود للسؤال فكل ما ذكرت كان مدخلا للإجابة؛ كما اتفقنا على ان الفن أداة صيرورية مهمة تدخل بتشكيل شخصية الفرد والمجتمع لذا ومن البديهي ان يتم الهيمنة عليها وتسييسها وتسييرها فيما يخدم مصلحة (المُهيمن او المُسيطر) بغض النظر عن هدفه. العراق اليوم أشبه بـ ( مركز تجاري- mall) مُشرَّع الأبواب بلا حماية تنهب منه وتتصارع عليه رؤوس المافيا الكبيرة بينما ترمي بالفتات لمرتزقتها ، يصنعون ثقوبا بجيوب بعضهم لينتشلوا منها ما استطاعوا، لا احد يبالي بالانسان او الحرية الحقيقة او تأسيس فكر بنّاء، لا احد يبالي بالمساكين والفقراء، لا احد يبالي بالحضارة وحماية التاريخ، لا احد يبالي الا بنفسه ومصلحته وللأسف ان كل هذا يشمل عامة الناس ومنهم شريحة المثقفين والفنانين إلا الفئة القليلة الحقيقية منهم والتي أدعوها بالأقليّة الفاعلة وهي من يضع رأسه على المقصلة بين شفرة (المُهيمن او المُسيطر) و خشبة الأغلبية الصامتة.
- رأيك بالمؤسسات المهنية مثل اتحاد الادباء او الفنانين او غيرها هل تقدم خدمة للفنان في الوقت الحاضر ام هي تشتغل على الاخوانيات ايضاً..؟
هناك قاعدة ما زلت اجهل تعميمها في مؤسسات العراق اجمع؛ الشخص غير المناسب في المكان والزمان غير المناسبين ايضاً! ان مؤسساتنا الثقافية الفنية هي مُصغّر لمؤسساتنا الأخرى الاكثر حيوية وحساسية وتنطبق عليها نظرية (الجيوب المثقوبة) التي طرحتها بإجابة سابقة ، أغلبها مكيروفونات للصياح والتهليل والتمجيد من اجل بعض الفتات ناهيك عن التزييف والتصّنع والمحسوبيات، نادرا ما تجد شخص حقيقي من داخله وخارجه ونتاجه وهو أكيد لا يمكن ان ينتمي لهكذا مؤسسات فعندها سيلوث ويختنق ويموت. امر آخر ومهم جدا ان ما تقدمه هذه المؤسسات بناءا على النهج الذي تتبعه كما اسلفت ليس سوى اسقاط فرض لمجرد عمل نشاط لا يحمل هدفا بأغلب الأحوال ولا قيمة ولا ابتكار، ليس بالفن الجديد والحقيقي، لا يقدم خطوة بل يؤخر فهو مجرد (copy-past) وان اي محاولة لتقديم الجديد وغير المألوف بالنسبة لمستوى الفن والاعمال على الساحة تعتبر مرفوضة بل وتحارب ايضا ويتم استبعادها وإقصائها عن الساحة عن عمد وهذا نابع من جبروت الكاتدرائية بداخلهم يخافون تحطيم أصنامها والتي لا تسمح لهم بالخروج الى الشمس ومحاولة الابتكار او الترحيب به وهذا بديهي لان الفنان او المثقف بالتالي يمثل شريحة من مجتمعنا الذي اتيت على (محاولة ايجاز) اهم ما يتصف به.
- اذن، ما هي الادوات التي تمتلكينها والتي اتوقع ان تكون سحرية لتغيير كل هذا وتحقيق حلمك؟
ان المجتمع بامس الحاجة اليوم للخروج من قوقعته التي احكم إغلاقها بعد الـ2003 والانفتاح الحقيقي الذهني بعيدا عن خصوصية الثقافات، بمحاولة اسكات خطاب التتريث والأدلجة الدينية للولوج إلى الحداثة ودولة المواطنة لتحقيق مجتمع متعايش يتقبل الآخر واعٍ لما ينتهج ويعتقد لا مملوك ومُتخرفن. لكننا نصدم امام حقيقة شبه استحالة فصل المجتمع او تقليل تأثير السياسة والدين بالعملية البنيوية له ومحاولة تمكينه. من واجبي كوني انسانة انتمائي الاول والاخير للانسانية ان اكون معطاءة قدر المستطاع لأني اولا اؤمن ان الفن رسالة وثانيا ان لا مجال لنهضة أي امة اذا ما كانت كونكريتية العقل ومُحاطة باسلاك شائكة. انما لا اجبر احد على أي شيء؛ بل اقوم بنثر الاوراق والحقائق عل طاولته وادعوه للوقوف قليلا للتفكير بشأنها محاولة مني للتحرش به واستفزازه، اطرق أبوابه المُغلقة مع نسيانه لوجودها أصلا. اود ان احطم الشماعات الاسطورية التي يعلقون عليها استكانتهم وتسليمهم وكسلهم.
- ما هو رأيك بدور النشر العربية من حيث تعاملهم مع المثقف العراقي؟
آه، اقولها بألف حسرة على المثقف العراقي فبعدما كان العرب يقطعون الأميال لزيارة شارع المتنبي في بغداد وسوق اللوحات في الكرادة ومجالسة أدبائنا ومخالطة فنانونا صرنا نطرق أبوابهم استجداءاً لدار نشر او مطبعة مع حفظ الحقوق او بدونها ، مقتنعين راضين بنوعية الطباعة والكمية الحقيقية للأعداد المطبوعة والتوزيع المزيف والأسعار الخيالية، صفقات يكون فيها المثقف العراقي الطرف المُجبر على قبول شروط الدار مهما كانت..خصوصا التجارية منها وغير المكلفة نسبة للدور العريقة المعروفة، ناهيك عن تفضيلهم لبعض الاسماء العربية على العراقية عندما تُقام المهرجانات ومعارض الكُتب مما يسحب بساط الفرصة من تحت سطور المثقف العراقي. السؤال هنا: اين هي دور النشر العراقية؟ لماذا لا توجد دار واحدة (محترمة) تحتضن القلم العراقي؟ ما هو دور وزارة الثقافة والدوائر التابعة لها؟ غير التطبيل والتزمير طبعا!! أرى إني بدأت بطرح الأسئلة.
- أتهمتي وهوجمتي كثيرا بسبب لغتك الجريئة وطريقة طرحك التي تصفع المجتمع احيانا سواء كانت حرفا أم لونا، فماذا تقولين بشأن ذلك؟
فلنبدأ بـ (حرفا) ، ان كانت الشجاعة وطرح الحقائق والاشتباك مع المشاكل الحقيقية التي نعاني منها سواء على الصعيد النفسي او الاجتماعي او الديني او السياسي تهمة فإني مذنبة مع سبق الإصرار والترصد واتحمل كافة العقوبات ، وكما ذكرت أُتهمت وهوجمت وحتى تعرضت للإساءة والتعديّ احيانا والتهديد أحيان أخرى . لكنني ادرك بان الشجر المثمر ما يُرمى بالحجر وما دمت استطعت ان استفز المقابل واجعله يفكر ويرتعب لاني كشفت له السلبيات ولم انمقها أو اصنع لها أنفا مميزا او أُجري أي تعديلات (بوتكس) وهو حر بمسألة تقبلها والعمل على تغيير واقعه او البقاء كما هو .. أوليست هذه وظيفة القلم الشريف الحقيقية؟ الفن لا يشتغل فقط على الجمال والمتعة والترفيه بل يشوه ويكسر الواقع ويعرض لك وجهه الحقيقي القبيح ولك أن تتقبله أو تظل مغطيا إياه بقناع جميل.
أما (لوناً)، سأتعدى كل الاساءات التي تعرضت لها في معارضي وأؤكد على هويتي الفنية وبصمتي؛ ان الجسد لغة ثقافة بحد ذاته وانا دائما أعمد على الاشتغال به او من خلاله فتارة يكون رمزا وتارة يكون الثيم الرئيسي للموضوع، فاعمد على (تجريده) وليس (تعريته) كما أُتهمت فهناك فرق كبير بين تجريد الانسان من جميع القيم والمسميات والتبويبات الدينيوية ليسمو كائنا لا ينتمي لأي شيء الا انسانيته المطلقة عن طريق عرضه بمختلف الآليات لمختلف المدارس الفنية، اما التعرية فهي التركيز على مواطن الفتنة والغواية في الجسد ليغدو أداة (Masturbation) رخيصة تخدم الرأسمالية.
- كلمة أخيرة..
بالنهاية اود ان اقول باني إنسانة (strait) مباشرة اسمي الأشياء بمسمياتها فلا اقول عن الابيض قليل السواد ولا عن الاسود قليل البياض .
واود ان استغل الفرصة واتوجه بشكري وتقديري واعتزازي بشخصك أستاذ (عبد الكريم العامري) كونك من الاوائل الذين آمنوا بي ووقفوا الى جانبي وساندوني بكل احترام انسانة وكاتبة وفنانة .