المدينة التي فرغت من شيخها لا بد لها أن تجد شيخ...




" المدينة التي فرغت من شيخـها لا بد لها أن تجد شيخاً.. " *
وقفة قصيرة عند رواية (عنبر سعيد ) للأديب عبد الكريم العامري

هل نحن مخيّرون أم مُسيّرون؟
ولماذا نعيش دوما على فطرة النعاج المعصوبة العينين التي تُساق طوعا للمذبح قُربانا لشيوخنا ونيل بركاتهم؟!
" الجلوس معه يقرّبكِ من الله والإساءة إليه يدنيكِ من النار!" *
لماذا يُسلم الإنسان أمرا لقدره أصلا؟ قدرٌ يخّطه لنا الآخرون؟ ومن هم الآخرين كي يرسموا لنا ملامح خريطة حياتنا بذريعة القُرب من الرب؟
من الخطأ جدا الاعتقاد الثابت بأن غدا هو نتيجة حتمية لما نفعل اليوم وما فعلنا البارحة, 1+1 لا يساوي دائما 2.
الأقدار وحدها والتي يعتقدها الكثيرون مكتوبة سلفا هي التحصيل الحاصل لمعطياتنا القديمة, وكل ما يحدث دونها ودون سابق حسبان هو محض صدفة تنقلنا لبُعد آخر من حياتنا بمقدار 180 درجة عكس تيار خططنا له وسِرنا عليه مُسبقا.

إن العلاقة بين العبد والمعبود على قدر من الحساسية والشفافية والنقاء حيث لا تخول أيا كان ليتوسط فيها ويشفع, نحن وللأسف أناس روحانيون وعاطفيون لا يحكم من تصرفاتنا العقل والعمليّة إلا نسبة قليلة جدا, يحكمنا الهو:
( مجموعة العادات والتقاليد والأحكام الاجتماعية التي تُمثّل البيئة المحيطة) بسلبياته وايجابيته وتُبرمج عقولنا على أسس وضعها أناس لم يعرفوا الكتابة ولا القراءة وكانوا إذا (قضوا حاجتهم – عفوا- ) لا يغتسلون, وضعوها باسم التقاليد!
وهي كانت بالأساس تتناسب ومعطيات بيئتهم وحياتهم, على العموم هم ماتوا وشبعوا موت!
هل هو من باب التكاسل أم التبُجل بأمجاد الماضي ما يُخصي أفواهنا عن صرخة الـ (لا)؟
يلزمنا الكثير الكثير من....
 لأجراء غسيل دماغ شامل وإعادة تنصيب أسس جذرية حسب اليوم وغدا, بل ما يُدهشني أن بعض الناس يأبى العيش عصفورا ويُفضّل البقاء ببغاءا!

تنبثق قضية جديدة من نافذة أخرى للرواية:
" غدت المدينة أمام عينيها عاريةً ، تراها ليس مثلما يراها الآخرون ، عارية تماماً بنسوتها ورجالـها .. تعرف ما تستره الثياب وتكشف ما تُخبِّئه الصدور .. عرفت المرأة لعبة الشيخ مثلما عرفت أسرار النسوة اللاتي كنَّ يترددنَ عليه ." *

لعبة قلب الأدوار, خلل نفسي يصيب الضحايا أمثال المرأة بالرواية يقوم بتحويل الألم والحقد والشعور بالظلم المخزون الذي تكتمه الضحية رغما عنها بسبب ظروف ربما تكون اجتماعية, نفسية, دينية أو حتى سياسية لتقمص شخصية المُعتدي أو المُتسبب بالأذى والتسبب للآخرين بنفس قدر المعاناة التي حصلت له ويُدعى حسب مفهوم علماء النفس (transform of reaction) كطريقة للانتقام والتعبير عن السخط المكنون.



على مقدار روعة رواية (عنبر سعيد) التي تتمحور على أكثر من محور, فضلا عن صياغتها اللغوية المُحكمة وصيغتها البُنوية المدوّرة للأديب العراقي عبد الكريم العامري, إلا إنها حملت الكثير من الدبابيس - غير الدبابيس التي تحدّث عنها الرواي - التي وغزت أماكن حساسة جدا بالبنية الاجتماعية والإنسانية للمجتمعات الشرقية عموما والتي لا تختلف كثيرا عما حدث أبان الزمن الذي دارت به أحداث الرواية.









* العبارات مُقتبسة من رواية (عنبر سعيد) للراوي عبد الكريم العامري


Share:

No comments:

Popular Posts

Blog Archive

Featured Post

خمسة تفسيرات منطقية علمية لما يدعى بالمعجزات

  اعداد: ايفان الدراجي الخوف والجهل هو أساس ارجاء تفسير الظواهر الطبيعة آنذاك لقوى مجهولة خفية قد تكون من السماء يفسرها المؤمنون...

Recent Posts