لحظات أخيرة للحياة


 



استطاع الصراخ قدر ما شاء...لقد كانوا بمكان ما تحت الأرض, قديم وبارد يتوسط مصباح خفيف الإنارة, لقد رفع فسقط أرضا,دمه النازف غطى أرضية المكان, كان يسمع أصواتا كأنها وقع خطوات أو ربما أنفاس شخص يحوم حوله, همسات,ضحكات... : "أشباح ؟؟".
فكر, يا لها من ليلة قاسية.. قدماه العاريتان الملامستان الأرض تكادان تجمدان,فقد تمزق رداءه وجواربه بسبب احتكاك خطواته الزاحفة بالأرض,لقد كان يحتضر,ربما يمكن للاحتضار أن ينتهي, فهو ليس أبدياً, تساءل إن كان بإمكانه السير مره أخرى؟!..

تذكر فوهة المسدس الملامس لمؤخرة رأسه, فقد كان يبعث موجات من الارتجاف تبدأ من رأسه حتى قدميه..
لقد أغلق عينه فأن فتحهما سيتمكن من رؤية بقع دمه المتناثرة على الحائط أمامه, الحائط الذي يبدو منحنيا تجاهه, دموعه ما زالت تسقط على الأرض ممتزجة بدمه الدافئ..
كلما حاول الكلام, شعر أن وجهه سيتكسر بسبب جفاف بشرته الغارقة بالدم والدموع وملح عرقه المتصبب..
أنه لأمر غريب الشكل الذي علية حياتك, يمكنك أن تعتادها وتحبها كما لو كنت طفلا صغيرا مع إنها أسوأ ما يمكن أن تكون عليه, ربما تأخذ الطابع من الأبوين ثم تنمو نقيا..
تصحو ذات يوم لتجد نفسك متمردا حتى على كوب الشاي الذي تشربه كل صباح محاولا تغيير برنامج الكون من حولك ولا تعلم انك تؤقت ساعة موتك حسب العد العكسي..
لم تسر حياته كما يجب, ذكرياته بدأت تمر بسرعة خاطفة من أمام عينيه كقطار مجنون.. كان في السادسة حين التقى والده أول مرة وصافحه, كان يجب أن يحبه لكن شيئا ما لم يجر كما كان متوقعا له, كان يبدو رجلا كبيرا..
تذكر أمه, كانت امرأة بائسة , تذكرها كانت تصحو من الصبا ح الباكر لتجمع البضاعة من التجار وتبيعها في السوق , وكانت تعود للبيت منهكة لتحضّر لهم الطعام وتنظف البيت وتغسل الملابس والصحون, كانت تنحني على حوض الغسيل لتريح نفسها وتمسح جبينها, بثيابها الرثة وجسدها النحيل المتعب, ونظراتها التي تقول : " بئسا لتلك الحياة ". فلاحظت وجوده , كان حينها في الثالثة عشر من عمره, كان يحمل حزما من الصحف التي يبيعها عند مواقف السيارات كل يوم.

الآن, انه خليط من الأصوات, آه انه الواقع مرة أخرى, لم يعد يستطيع تمييز الأشياء من حوله, كانت فوهة المسدس تلامس عنقه من الخلف باعثة تلك الأمواج الراجفة في جسده البارد, كيف لجسدي أن يكون بهذه الدرجة من البرودة.؟؟
أخذ نفسا عميقا, بعد قليل ستختفي كل تلك الآلام, كان هناك نفسا ثقيلا قرب أذنه, وبعض التمتمات..
قرر أن يفتح عينيه..فإذا بأشباح واقفة أمامه في جو مليء بالدخان, بدأ يعتاد طعم الدم في فمه, ثم خيم الظلام مرة أخرى, نظر حوله للمرّة الأخيرة محاولا أن يبتسم.. شعر بصوت الانفجار الأخير يدوي في أعماق رأسه..




هامش: نشرت هذه القص
ة بجريدة المنارة 




ايــــفان الدراجي





Share:

No comments:

Popular Posts

Blog Archive

Featured Post

خمسة تفسيرات منطقية علمية لما يدعى بالمعجزات

  اعداد: ايفان الدراجي الخوف والجهل هو أساس ارجاء تفسير الظواهر الطبيعة آنذاك لقوى مجهولة خفية قد تكون من السماء يفسرها المؤمنون...

Recent Posts